إن الداعية الناجحة هي التي تجمع العلم السليم والنهج المستقيم , همها صواب عملها وموافقته للكتاب والسنة وإن خالف هواها وما قد يرجحه عقلها أو ما يراه الناس .
فهي ترى النجاح أن تفوز برضوان الله سواء استجاب لها المدعوون أم لم يستجيبوا, وإنها ناجحة لأنها تسير في رضوان الله , وفق ما يريد الله وهكذا حال الأنبياء .
إن مقياس النجاح آخروي قبل أن يكون دنيوي , يعتمد على مدى موافقة الدعوة لشريعة رب العزة , فإذا كانت كذلك وخرجت من قلب مخلص كان النجاح حليفها , ومن هنا نذكر بعضا من الأسس لتكوني داعية ناجحة في الدنيا والآخرة :
ابدأي بنفسك :
هذا هو المنهج النبوي , فالتدرج بدعوة النفس وإصلاحها ثم دعوة الأهل و الأقربين ثم عامة الناس هو طريق الناجحين, بل هو سر نجاحهم والسبب وراء قوة تأثيرهم.
إن البدء بالنفس يكسبك الخبرة في سياستها والمهارة في التعامل معها والإدراك لأسرارها, ومواطن القوة والضعف فيها , كما أن نجاحك في التعامل معها هو الشهادة التي تنتقلين بها إلى مرحلة دعوة الأهل والأقربين . فالمرء أقدر على نفسه منه على الآخرين.
أما في المرحلة الثانية من التدرج في الدعوة فهي دعوة عامة الناس بإلقاء الدروس و المحاضرات وانتهاز فرص الاجتماعات في النصح والتوجيه ولو بتوزيع شيء من المطبوعات , وهذه أشد المراحل صعوبة وأحوجها إلى الصبر والعزيمة , هذا لمن تدرجت فمارست الدعوة قليلا قليلا فكيف بمن قفزت فبدأت بالعامة ؟؟!!
إن من مشكلات الدعوة اليوم القفز إلى دعوة العامة قبل النفس والأهل .
إن الدعوة هي توجيه أمة وإعداد جيل فأي خلل في ذلك يعد إفسادا لهذه الأمة , وأي خطأ هو تراجع بها عن سيرها , فهلا أدركنا خطورة الأمر وتورعنا .
إن إصلاح الخلل وإزالته يمكن بغير كونك داعية , فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟وأين من سن في الإسلام سنة حسنة ؟ وأين التعاون مع الجهات الدعوية الخيرية ؟ أفلا نحسن العمل إلا إذا كنا في الصدارة ؟؟!!
فالداعيات الموفقات كثر والمزيد لا ينكر نفعه احد لكن شريطة أن تكون الزيادة منهجية مبنية على أسس سليمة لا الكثرة الضارة المضرة .
العلم العلم :
وأول ما تطلبين من العلم العلم بالله , علم يكسبك حبه , وحب يجعلك تتلذذين بطاعته, لا تفترين عن ذكره , علم يجعلك تخشينه , وأخشى ما تخشين غضبه وصده عنك, فمن عرف الله عرف سعة رحمته وشدة عقابه .
علم يجعلك تبحثين في كل ما يحب لتفعليه وما يكره فتتركيه , علم يجعلك تتمنين لو أن العالمين يذوقون لذة مناجاته والأنس بقربه .
علم يجعلك لا تيأسين من رحمته مهما كانت معصيتك , ولا تيئسين الناس منها , كما لا تأتمنين مكره ولا تؤمنين الناس ذلك .علم يجعلك في وجل إلى أن يأتي الأجل .
ثم تأتي العلوم الأخرى ومنها : علمك بسيرة وسنة أحب عباد الله إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم , فاقتدي به واستني بسنته , لأن من أحب الله أحب رسوله , ومن أحب الرسول اقتدى به .
ثم تعلمي أمور دينك مبتدئة بالأهم فالمهم مستعينة بالعلماء ليرشدوك في ذلك .
إن العلم بحر بعيد ساحله والحكيم من تلمس منه حاجاته وما يقويه في سيره لآخرته , فالعلم هو النور الذي تواجهين به ظلمة الفتن والتي عمت في هذا الزمان ..
إن المتأمل لحال بعض الملقبات بالداعيات اليوم يجد خللا واضحا في فهم أي العلوم يتعلم وأي العلوم يعلم . فنجد من عرفت شيئا من التجويد غدت داعية , ومن حفظت بابا من الفقه أصبحت شيخه , وعلى هذا فكل معلمات الدين في مدارسنا أصبحن داعيات !!!
يجب أن نفرق بين المعلمة والداعية , ويجب أن ندرك ما تعنيه كلمة داعية من عظم الأدلة, فالقضية ليست في إتقان بعض أساليب الوعظ , أو التركيز على قضية الذنوب وآثارها .. بل إن الأمر أعظم من هذا بكثير .
لقد تساهلنا في التقليل من شأن الداعية ومكانتها , حتى تلقب بلقبها أناس ليسوا أهلا لذلك , ثم إذا أنكر عليهم أحد أو لامهم من لامهم وانتقد نقصهم , أو ظهرت معايبهم واستبان جهلهم وحاجتهم لتعلم أمر دينهم قبل أن يتصدوا مجالس الآخرين غضب أولئك الملقبات بالداعيات وصوروا الأمر على أنه حرب لأولياء الله ودعاته على أرضه !!
ولعلي أقول كلمة إلى من تفتح منزلها لحلق الذكر ومجالس الوعظ والنصح بان تتأكد من سمحت لها بالإلقاء في دارها أن تتحقق فيها شروط الداعية .
هل تملك العلم الكافي ؟ فكما أن الدال على الخير كفاعله فكذلك من غش الناس فجمعهم لمن لا يعرف دينه فيلبس عليهم أمرهم .
ولمن ظهر لها ضعف عملها نقول : إن الإخلاص يقتضي طلبها للعلم إن كانت تود الاستمرار في دعوتها , على أن تتوقف زمانا لتأخذ من العلم حظها ثم تعاود دعوتها , ومن كان رضوان الله همها فإن العلم أحب لها من الذهب والفضة , أما من مال قلبها لثناء الناس والمكانة في قلوبهم فما أشق طلب العلم عليها وما أصعبه .
الخلق .. الخلق فالدين المعاملة :
إن أثقل أعمال العبد ميزانا وأعظمها شأنا هداية القلوب ( ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك )
هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حليما بأهل دعوته , فما أحوجنا نحن إلى حسن الخلق .
دعي التصنع فطعمه ظاهر إلى النفس مقزز , ثم إن حقيقتك لابد أن تظهر . أما إذا هذبت أخلاقك قبل أن تسيري في دعوتك فأنت الموفقة بإذن الله .
إن بعض الداعيات تجيد إظهار حسن الخلق ومحبة الخلق حتى إذا ما خالطتها وجدت شدة وقسوة وحب رئاسة وشهرة , فهي لينة الجانب مع محبيها والمثنيين عليها , شديدة على من يخالفها أو من يوجه نقدا لها ولو كان مخالفاً لما يجب أن تكون عليه الداعية , والعجيب أنه لو أكد لها سوء خلقها وصعوبة نقاشها ألقت اللائمة على صعوبة الدعوة وأنه يجب على الآخرين احتمالها حتى تكمل رسالتها الدعوية لا أن يقفن في مواجهتها منتقدات لها !!
من قال لها إن الناس بحاجة إليها؟ ومن كلفها بالدعوة؟ إن الواجب على هؤلاء النسوة أن ينصرفن تجاه أنفسهن فيبادرن بالإصلاح والتقويم قبل أن يفرضن أنفسهن على الناس .
ما هو منهجك ؟؟
اجعلي من الوسطية منهجا لك , بعيدا عن غلو المتشددين وتساهل المتساهلين .
مرجعيتك الكتاب والسنة وسيرة سلف خير الأمة , ميسرة لا معسرة , متفائلة بالخير , تخططين للأصلح بعد علم بقواعده وإدراك للواقع وفهم لسنن الله الكونية , همك المصلحة العامة ووحدة الصف واجتماع الكلمة , ولا يعني هذا تنازلك عن آرائك لكنه يعني أن لا نجبر الآخرين على الأخذ بها فننفر منهم لمخالفتهم لها , فالحب للمؤمن قائم مهما كان الاختلاف مادام لا يخالف صريحا لكتاب أو سنة .
وكتبه محبكم
عبد الله بن أحمد ال علاف الغامدي