ما معنى أن تنادوا بحرية المرأة وقد حررها الإسلام

معنى أن تنادوا بحرية المرأة وقد حررها الإسلام

إن قضية تحرير المرأة من القضايا الشائكة التي أثارتها كثير من المنظمات العالمية ، وتبنتها شخصيات عربية داخل العالم الإسلامي ، لكن سؤالا يفرض نفسه كلما أثرنا هذا الموضوع ، هل المرأة كانت أصلا مستعبدة لتُحرّْر ؟ وهل الحرية التي ينادى بها مفكرون وسياسيون وشخصيات دينية وعلمية من مختلف الاتجاهات قد حررت حقا المرأة أم استعبدتها ؟ وما معنى الحرية التي صارت تتردد على الألسُن كلما أثيرنقاش أوحديث عن المرأة؟؟ وإلى أي مدى وُفقت الحملات والهتافات والكتابات .. في منح حرية حقيقية لها؟؟
إن المرأة لم تعرف الحرية إلا عندما سطع فجر الإسلام ، فرفعها وكرمها وشرفها وتوجها بتاج الحرية الحقيقية ، ومنحها كل الحقوق التي بها تحيا حياة كريمة شريفة عفيفة .. تشعرخلالها بأنوثتها وإنسانيتها ورسالتها ووظيفتها التي خلقها الله لأجلها ، يكفي أنه مكنها من أن تكون لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها ، ومنحها حرية اختيار شريك حياتها ، وعدم عقد زواجها إلا بموافقتها ورضاها ، بعد أن لم يكن لهاخيار في أمرها كله خاصه وعامه ، بل أعطاها حق النظر لمن يتقدم لخطبتها قبل إقدامها على الزواج به ، شأنها في ذلك شأن الرجل، فقد جاء في مصنف عبد الرزاق في كتاب النكاح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( لا تزوجوا بناتكم من الرجل الذميم فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن ) ، وقال ابن عابدين في حاشية رد المحتار : ( إن المرأة أولى من الرجل في النظر لأنه يمكنه مفارقة من لا يرضاها بخلافها ) .
ومنحها حرية طلب العلم وتحصيله ، وجاءت النصوص التي تحث على الاجتهاد والتعلم مطلقة لا تستثني المرأة من هذا الفضل ، كما في الحديث الشريف المروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم <<من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين >> ، وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<<طلب العلم فريضة على كل مسلم>> .
الإسلام منحها حقوقا كثيرة ، يكفينا أن نطالع كتاب الله وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم بعين متبصرة لنحيط بهاعلما ، لقد منحهاحق الحياة بعد أن كانت توئد ، وتُدس تحت التراب مع أول صرخة ، وحق الإرث وحق الاعتقاد ، وحق العمل والتجارة التملُّك و البيع والشراء ... فساوى بذلك بينها وبين الرجل المساواة المسؤولة والعادلة التي لا تضاهيها تلك المساواة المزيفة والغير المنصفة ، التي تنادي بها اليوم مجموعات ذات مشارب مختلفة .
الإسلام اختصر في آية واحدة معنى المساواة الحقيقية والعادلة ، قال تعالى : << ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف >> ، فكل حق وواجب للرجل يقابله حق وواجب للمرأة ، مناصفة بينهما بحسب طبيعة كل منهما عدا أمر القوامة ، لأسباب وجيهة نذكرها في محلها فيما بعد إن شاء الله .
ونحن نقول للذين يهتفون اليوم بحرية المرأة والمساواة بينها وبين الرجل ماذا قدمتم للمرأة أفضل أو أرقى أو أجمل مما قدمه لها الإسلام ، أنتم كل ما تفوقتم فيه هو تجنيد المرأة لتشهر السلاح في وجه الرجل ، كأنها عدو ند له ، وقطع أواصر الصلة المتينة التي تربطهما معا برباط المحبة والمودة والرحمة والإحسان .أ نتم حولتم علاقتهما إلى علاقة صراع وحرب وخصومة ، وعلاقة تماثل لا يُراعى فيها لا اختلافات بيولوجية ولا نفسية ، في حين أن الإسلام رقى وسمى بعلاقتهما لتكون تكاملية ، يسند كل واحد منهما الآخر ويشد أزره في الحياة ، يقويه على ضعفه ويشاركه أتراحه وأفراحه ، ومسؤولياته وإدارته لشؤونه...
اليوم تواجه الأمة الإسلامية فتنا ومشاكل لم يكن لها سابق عهد بها، وأصل الداء تلك القطيعة التي صارت بين التشريع الإسلامي كتشريع عادل حكيم ، وبين تطبيقه على الوصف الصحيح الذي أمر به الإسلام، واتسعت هوة هذه القطيعة حتى انتهى الأمر إلى عزوف عن تحكيم الكتاب والسنة في ماجريات الحياة ، وتنزيل نصوصهما على أرض الواقع . حتى صار أعداء الإسلام يشنونها حربا مستميتة ضدنا وضد نبينا صلى الله عليه وسلم ، ويتهمون الإسلام في كل مرة بافتراءات وأراجيف لا أصل لها ، لأن أبناء الأمة الإسلامية ما عادوا أقوياء بقوة الترابط الوثيق الذي كان يربطهم بكتابهم وسنتهم .
لابدأن نرقى بفكرنا إلى مستوى الفصل بين الإسلام كدين أنصف الرجل والمرأة على حد سواء، وبين من يطبقون هذا التشريع على أرض الواقع وهؤلاء طغت على حياتهم تقاليد وعادات صارت هي التي تحكمهم ، فضلا عن سلطان المؤثرات الخارجية على النفوس ، والرحلات التي كان يقوم بها الرحالة المسلمون إلى أوربا ، أوقعت في نفوسهم انبهارا بمظاهر التقدم والتطور الذي ارتقت إليه مجتمعاتها بما في ذلك المرأة ، وتعدى الأمر بعد ذلك إلى استلاب واستعمار للفكر وللمبادئ وللقيم ، فتجردوا تدريجيا عن هويتهم وعادوا إلى بلدانهمم بخلاف الهوية التي رحلوا بها ، عادوا بهوية غربية حاملة لأفكارثقافة دخيلة لا تمت للإسلام بصلة ، بل نجحوا في أن ينشرواهذه الأفكار ، خاصة أن مجتمعاتهم كانت تقبع في ظلمات الجهل والأمية وشتات الانغلاق ، مهيئة لاستقبال أفكارجديدة ، كما ساهم الإستعمارحين فرض سلطانه على كثير من دول العالم الإسلامي في بث سموم أفكاره التحررية والتغريبية ، بحجة التحديث والإصلاح الوهمي الذي خدعت به عقول بسطاء المثقفين من العالم الإسلامي ، فصارت هذه الفئة جندا مجندين لخدمة مخططاته وأهدافه ، بما فيها هتك الحجاب سواء حجاب المرأة ، أو حجاب المجتمع ككل بتجريده من ثوابته وأصوله ، ومن كل ما يحمله من قيم ومبادئ زانه بها الإسلام ، وصارت أقلام تتحرك وتكتب لتعبربلسان المستعمر ، وكثيرة هي تلك الأقلام التي جندها المستعمر لتحقيق أهدافه ، وكثيرة هي تلك الأقلام التي انبهرت بالآخر فظنت أنها تخدم بذلك الأمة وتسعى للإصلاح والتغيير ، كتلك الأقلام التي تدعو لحرية المرأة والدفاع عن حقوقها ، لكن هل فعلا نجحت في أن تمنحها حرية حقيقية كالتي منحها الإسلام ؟ هل نجحت في أن تنصف المرأة كما أنصفها الإسلام ؟ أبدا ، والتاريخ شاهد على ذلك ، وما نشاهده اليوم يؤكد صدق ما نقوله ، ولا يستقيم أن يغض البصرعن ذلك إلا متغابي .
وما أجمل ما قاله الشيخ عبد الله النديم كأحد الشخصيات الفكرية التي عاصرت الاستعمار البريطاني في مصر واستخدمت قلمها في مهاجمة المظالم المتفشية ، وكان يعيب على دعاة الحرية المزعومة أنهم نادوا بالتخلص من ربقة المنظومة الإسلامية بدعوى الحرية وفي المقابل وقعوا في عبودية الغرب، فهو يحدد مصطلح الحرية فيقول: "الحر هو من ملك أمره ولم تتقيد أفكاره بغرض ما"، ولكن هؤلاء المتغربين يحكمون على الفكر الأوروبي من منطلق هوسهم.
وهو ينسب فصل التقدم الأوربي إلى الحضارة الإسلامية (كل ما في الكون الآن من العلماء إنما هم تلامذة المسلمين، وفي عنق كل منهم نعمة للدين الإسلامي).
وذكر أن الحرية الحقيقية هي طلب الحقوق والوقوف عند الحدود.. وحقوق الإنسان محكومة بالحلال والحرام
الحرية في الإسلام لا تلغي للمرأة أنوثتها ولا تحجب دورها في الأسرة وقيامها بواجباتها المنزلية.. وتوليها لمناصب القيادة والريادة مثلها مثل الرجل ويحترم كفاءة كل منهما على حد سواء ، تاريخنا الإسلامي زاخر بقصص البطولات النسائية الخالدة التي تكشف عن شجاعة وبسالة المرأة المسلمة ومن أنصعها قصة أم عمارة التي دافعت عن الرسول في غزوة أحد وظلت تحارب مع جيش المسلمين حتى قطع ذراعها ..

الحرية التي وهبها الإسلام للمرأة تسمو عن الحرية التي سعى الاستعمار إلى تخدير عقول من استعبدوهم بسلطانها ، فصارت نظرياتهم حولها تُقدس عوض النظرية الإسلامية ، فانعكس كل هذا على فكر وسلوك المرأة المسلمة ، التي وضعوها في مقارنة مع المرأة الغربية من جهة وفي مقارنة مع الرجل من جهة أخرى، مما قاد إلى اتهام الإسلام أنه صادر حرية المرأة وانتهك حقوقها ظلما وجورا ،وهذا ما لا يستقيم ، لأن الإسلام كما تقدم وقلنا هو أول من صان حقوق المرأة ، وجعلها تمارس حياتها كعنصر فاعل داخل المجتمع ، بل عدها هي المحرك الذي يحرك المجتمع ككل فهي الأم والمربية والزوجة المخلصة المجاهدة ، والبنت البارة ، والأخت الحنونة ، والجدة والخالة والعمة .. تتحمل مسؤوليات ، وتنجز مهمات وتقوم بوظائف ، وتؤدي أفضل رسالة .
الإسلام منحها القدر اللازم من الحرية الذي يتناسب مع ممارستها لأنشطتها وقيامها بمسؤولياتها ، وتأديتها لوظيفتها وفق الأطر والضوابط الشرعية .
المرأة اليوم بعد أن هتكت حجاب سترها ، وتجاوزت كل المبادئ والقيم التي صانها الإسلام بها، وصارت بعد ذلك تحذو حذو المرأة الغربية ، تتقمص شخصيتها وهويتها في كل شيئ ...هل حقا شعرت بأنها حرة ، وأنها تتمتع بحقوقها ، وأنها تعيش حياة مطمئنة وسعيدة ؟؟
ربما يمكن أن تخدع الدنيا كلها لكن صعب أن تخدع نفسها ، لأن ما تعيشه اليوم ليس حرية ، وما تمتلكه ليس حقوقا ، والحرية التي تعني الفوضى لا تجر وراءها سوى المظالم ، لأن الحرية الحقيقية هي الحرية المسؤولة التي تعي فيها المرأة أنها تحتل منصب القيادة والريادة وهذا المنصب يجعلها تشعر بشرف التكليف ، تشعر أن أي تقصير منها يقود المجتمع ككل نحو الهلاك ، وأي إنجاز تنجزه يقوده نحو التقدم والرقي .
هذه كانت مجرد وقفات بسيطة تحتاج لتحليل أكثر دقة وعمقا، لكن أتمنى أن تكون الإشارة دالة على المعنى موفية وموعبة ، وهي مجرد لبنة وضعتها لأجل أن تأتي لبنات أخرى لتتمم ما بدأناه ، وتحقق غاية نبيلة ننشدها وهي رد الاعتبار للمرأة المسلمة ، التي سعى المستعمِروالمستعَمر إلى تشويه معالم صورتها، واسترجاع مكانتها المشرفة التي شرفها بها الإسلام ، وتطهير العقول من تخدير سموم أفكار ثقافة دخيلة على مجتمعاتنا ، تستلب هوية أبناء وبنات أمتنا ، أتمنى أن تكون هذه بداية طيبة تفتح الباب لكتابات مشرقة في الموضوع .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتورة صفية

» معنى السلوك والطريقة من العدد الصوتي السابع والخمسون من مجلة النقشبندية
» ما معنى اليقين
» المرأة والدعوة
» أين أنت أيتها المرأة الداعية؟
» معنى التوسل – الحلقة الثانية من العدد(37) من مجلة النقشبندية