معركة الفلوجة الثانية ومأزق الإستراتيجية الأمريكية

ستعتمد القوات الأمريكية وحلفائها في خطة الهجوم على مدينة الفلوجة هذه المرة على الأساليب التي تتبعها دولة الكيان الصهيوني في حروبها مع العرب وبشكل خاص النموذج الذي أتبع في غزو لبنان في العام 1982 عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية المدن والقرى والبلدات اللبنانية والمخيمات الفلسطينية من أجل القضاء على عناصر المقاومة الفلسطينية واللبنانية

بقلم د . علاء أبو عامر
بدأت أول أمس معركة الفلوجة الثانية التي وضعت لها حكومة بوش الابن وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية خطة عسكرية محكمة وقدرت لها ما يلزم من عدة وعتاد وجنود واختارت توقيتاً مناسباً من الناحية السياسية والإقليمية والدولية، وتقول المعلومات التي نشرت على مواقع عدة على شبكة الانترنت أن الولايات المتحدة الأمريكية قد استعانت في مرحلة الإعداد للهجوم على مدينة المساجد ومعقل المقاومة العراقية ورمز كرامة الشعب العراقي بمجموعة من الخبراء العسكريين والأمنيين من دول الجوار العراقي وبمستشارين عسكريين إسرائيليين لهم خبرة وتجارب في حرب المدن، حيث يوجد تشابه بين الوضع في الفلوجة وحال بعض المدن الفلسطينية مع الفارق في العتاد والتضاريس لدى المقاتلين في كلا الحالتين، وقد كلفت الإدارة الأمريكية عدد من الخبراء والباحثين إعداد دراسات وأبحاث ميدانية تتناول طبيعة عمل وأساليب وتكتيكات المقاومة العراقية ليتم الاستفادة منها في رسم خطة الهجوم الشامل على الفلوجة.
ويعتقد كثير من المحللين السياسيين أنه ما كان لهذه المعركة أن تبدأ في هذا الوقت بالذات لولا تقهقر التيار الصدري وذراعه العسكري جيش المهدي ومهادنته للأعداء بناء على توصيات المرجع الديني الأعلى للطائفة الشيعية في العراق علي السيستاني الذي حرم قتال الأمريكيين.
ويمكننا من خلال استعراض ما نشر من تقارير ودراسات حول الخطط العسكرية الأمريكية لاجتياح الفلوجة استخلاص المعطيات التالية:
أولاً : ستعتمد القوات الأمريكية وحلفائها في خطة الهجوم على مدينة الفلوجة هذه المرة على الأساليب التي تتبعها دولة الكيان الصهيوني في حروبها مع العرب وبشكل خاص النموذج الذي أتبع في غزو لبنان في العام 1982 عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية المدن والقرى والبلدات اللبنانية والمخيمات الفلسطينية من أجل القضاء على عناصر المقاومة الفلسطينية واللبنانية في ذاك الوقت، وكذلك ما مارسته من أساليب إبان انتفاضة الأقصى من حيث استخدام القصف الصاروخي والجوي الكثيف والتركيز بشكل خاص على دفاعات واستحكامات عناصر المقاومة في المدينة، ومن ثم وبعد أن تقوم هذه الأسلحة بعملية تدمير شامل لهذه المواقع يتقرر إرسال مجموعات قتالية من قوات الكوماندز التي تتكون في معظمها من وحدات البشمركة الكردية وقوات فيلق بدر وغيره من العناصر ( العراقية ) المسماة ( الحرس الوطني العراقي)، ومن المرتزقة الأجانب حيث ستكون مهمة هذه المجموعات تطهير الأحياء التي استهدفها القصف من عناصر المقاومة العراقية المدافعة عن المدينة وتصفية الجرحى من المقاومين الذين يكونون قد أصيبوا جراء القصف وستحاول القيادة العسكرية الأمريكية في العراق من خلال تطبيق هذه الخطط تجنيب قواتها الخسائر البشرية وجعلها ضمن الحد الأدنى، وبعد أن تقوم العناصر العميلة وعناصر المرتزقة من تطهير الأحياء السكنية من بؤر المقاومة ومن السكان المدنيين من خلال عمليات الإبادة الشاملة لكل شيء حي تبدأ القوات البرية الأمريكية وعناصر المارينز من جنود وآليات بالتقدم واحتلال تلك المواقع ونشر فرق القناصة على أسطح البنايات وعلى الشرفات لقنص كل شيء حي ومتحرك على الأرض.
ثانياً: من الواضح أن قيادة قوات الاحتلال الأمريكية في العراق قد استفادت من تجاربها وقامت بدراسة وقائع المعارك السابقة واستخلصت العبر وقامت بتحديد أساليب عمل جديدة للتعامل مع وحدات الفدائيين العراقيين التي تنشط في العادة خارج حدود مدينة الفلوجة والتي يقوم عملها بالدرجة الأولى على شل الحركة على خطوط الإمداد والتموين التي توفر الدعم اللوجستي لقوات العدو المحاصرة للمدينة كما أنها تقوم بمشاغلة وحدات الإسناد المدفعي والصاروخي عاملة على تحطيم قدراتها وإنهاكها في الخطوط الخلفية مما يربك خطط العدو في التقدم والهجوم، ومن أجل الحد من فاعلية عمل هذه المجموعات من عناصر المقاومة خارج الفلوجة قامت القوات الأمريكية والحليفة لها بسد مداخل المدن العراقية الواقعة على خطوط الإمداد من بغداد إلى محافظة الانبار ونشرت مئات الجنود على طول الطرق وسيرت طائرات الاستكشاف بدون طيار وأطلقت مجموعة من البالونات المزودة بكاميرات للمراقبة.
ثالثاً: أبعدت قوات الاحتلال الأمريكية والحكومة العميلة في العراق المحتل وسائل الإعلام المرئية عن ساحة المعركة حتى تتحكم بصياغة وترويج الأكاذيب الإعلامية التي تناسبها حول طبيعة ما يجري هناك، وقد يكون السبب الرئيس وراء هذه الممارسات هو حجب الخسائر البشرية الأمريكية من جهة، وكذلك وهذا ربما يكون السبب الأهم حجب المشاهد المروعة التي تترك بصماتها عميقاً في نفوس الرأي العام خصوصاً أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ من الضحايا المدنيين العراقيين الأبرياء، وقد كانت تلك المشاهد المؤلمة سبباً هاماً من أسباب الفشل العسكري الأمريكي في معركة الفلوجة الأولى، حيث قام مراسل الجزيرة آنذاك "أحمد منصور" باستخدام خبرته الإعلامية لفضح المجازر البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في ذاك الوقت من خلال إظهار صور الضحايا وتبيان مدى الخراب والدمار الذي تعرضت له المدينة ومشاهد دفن جثث الضحايا .. الخ.
مما أدى إلى تصاعد موجة من الغضب الشعبي العربي والدولي على تلك الأفعال البربرية وبالتأكيد هذه المرة تحاول الإدارة الأمريكية ومحافظيها الجدد من عتاة المجرمين إخفاء الجريمة من خلال حجبها عن وسائل الإعلام، حيث إن العديد من الضحايا سيسقطون جراء استخدام الأسلحة المحرمة دولياً بما فيها القنابل العنقودية والقنابل الفراغية وغازات الأعصاب وغيرها من أسلحة الإبادة الجماعية التي نعلم أنها من ضمن الترسانة العسكرية الأمريكية في العراق، وقد تم استخدامها من قبل قوات الاحتلال الانكلو –أمريكية في بداية العدوان العام الماضي.
رابعاً : عملت القوات الأمريكية وعلى مدى الشهرين الماضيين على أفراغ المدينة من سكانها مستخدمةً القصف العشوائي الممنهج للأحياء المكتظة بالسكان تحت ذريعة جماعة ألزرقاوي، وقد أسفرت تلك الغارات عن استشهاد عائلات عراقية بأكملها لا صلة لها لا بالزرقاوي ولا بغيره، وقد هيئت تلك الأعمال الهمجية الظروف لنزوح سكاني جماعي عن المدينة حيث هجرها 300 ألفا من سكانها ولم يبق منهم في المدينة وفق بعض التقارير سوى 50 ألفا فقط، وهو ما تعتقد القيادة العسكرية الأمريكية أنه سيؤدي بالمقاتلين المدافعين عن المدينة إلى التخلي عن المواقع التي يقاتلون فيها واستخدام أسلوب الكر والفر بدل ذلك، مما سيسهل قتلهم من قبل القناصة والطائرات المروحية بينما لو كان السكان يشغلون تلك الأحياء لكان من واجب المقاتلون الاستماتة في الدفاع عن كل شبر من الأرض خوفاً من قيام قوات الاحتلال من التنكيل بالسكان المدنيين ولكان وجود هؤلاء السكان قد ساهم في شحذ عزيمة المقاتلون بشكل أكبر في القتال والاستبسال دفاعاً عن الشرف والعرض.
خامساً : تنطلق قوات الاحتلال الأمريكية من خلال استهدافها للفلوجة إلى الثأر لكبرياء العسكرية لأمريكية المهزومة والمهانة في المستنقع العراقي وذلك جراء سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف قواته وهروب العديد من جنوده وضباطه من الخدمة أو رفضهم تنفيذ أوامر قيادتهم خوفاً من القتل، ويتمثل الهدف السياسي الأهم لهذا الهجوم الواسع النطاق إلى جعل الفلوجة عبرة لباقي مدن العراق المقاومة التي مازالت عصية على الاحتلال والتي يبلغ عددها بحسب بعض المصادر أكثر من 22 مدينة أغلبها تقع في مناطق مأهولة بالسكان من طائفة السنة في وسط وغرب وشمال العراق.
أما في الجانب المقابل حيث عناصر المقاومة العراقية فقد صرح لواء سابق في الجيش العراقي المنحل (جيش الرئيس الأسير صدام حسين) ومن المطلعين على أوضاع المقاتلين المدافعين عن مدينة الفلوجة قبل أيام أن معركة الفلوجة بكل حساباتها ونتائجها هي معركة خاسرة للقوات الأميركية وعملائها، لأن مدينة الفلوجة، بقرار المقاومين فيها، لن تستسلم بسهولة، وستقاوم مقاومة عنيدة، حيث يملك المقاومون الكثير من نقاط القوة التي تدفعهم للصمود داخل المدينة وفي محيطها، وهي نقاط لا يملكها الأعداء، الأمر الذي سيوقع في صفوفهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، بسبب فقدان الطيران الأميركي المقاتل لقوته الحاسمة في هذه المعركة، التي ستكون من أشرس المعارك في العراق، في حرب المدن والشوارع، وستكون نتائج حساباتها العسكرية لصالح المقاومين، حتى لو تمكنت القوات الأميركية من السيطرة على المدينة، لأنها ستكون سيطرة مؤقتة، فهي لن تستطيع الاحتفاظ بمواقعها داخل المدن، تماما مثلما حصل في مدينة سامراء وغيرها، التي عادت بعد أيام قليلة لسيطرة رجال المقاومة.
معركة الفلوجة الثانية بدأت ولكن من المؤكد أن نهايتها لن تكون قريبة، فالمعركة الحقيقية أي حرب التحرير لا تقتصر على بقعة جغرافية محددة في العراق فهي حرب تشمل كل مدينة وقرية وبلدة عراقية في الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط حرب لن تنتهي بالتأكيد في مصلحة المحتل بل بهزيمته وإذلاله طال الزمن أم قصر، فلا يمكن لأي قوة في هذا العالم مهما امتلكت من سلاح وعتاد وغيره من أسلحة البطش والتدمير من قهر شعب قرر أن يعيش بحرية وإباء وكرامة.
نحن لا نعلم بالضبط عدد المقاتلين داخل المدينة ولا حجم تسليحهم ولا خططهم القتالية، والذي ندركه نابع أساسا من تجارب حرب العصابات وحرب المدن السابقة أن المقاومون سيعتمدون على الأسلحة الخفيفة والقذائف الصاروخية المضادة للدروع وصواريخ الستريلا المضادة للطائرات وستقوم خططهم الدفاعية على نصب الكمائن والهجوم الاستشهادي بواسطة السيارات المفخخة و من خلال زرع العبوات الناسفة والألغام في الطرقات والأزقة لقطع الطرقات وتدمير الآليات الحربية الأمريكية.
بدايات المعركة تدل على أن الهجوم في هذه المرة سيكون مدمرا حيث سماها إياد علاوي صنيعة الأمريكان بالمعركة الحاسمة والنهائية، وبما أنه كذلك من وجهة نظر الإدارة الأمريكية فسيكون هذا الهجوم همجيا وبربريا. ستعتمد القوات الأمريكية وحلفائها في خطة الهجوم على مدينة الفلوجة هذه المرة على الأساليب التي تتبعها دولة الكيان الصهيوني في حروبها مع العرب وبشكل خاص النموذج الذي أتبع في غزو لبنان في العام 1982 عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية المدن والقرى والبلدات اللبنانية والمخيمات الفلسطينية من أجل القضاء على عناصر المقاومة الفلسطينية واللبنانية

.