نشاط الموساد الاسرائيلي في العراق ودول الجوار
قراءة في كتاب يفضح العلاقة الصهيونية مع مصطفى البارزاني .
اعداد / دكتور : سمير محمود قديح
باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية
الكتاب تأليف: شلومو نكديمون.
يتحدث المؤلف عن التعاون بين الكيان الصهيوني (وتحديداً الموساد) وبين المرحوم الملا مصطفى البارزاني للفترة 1963 – 1975 وتغلغل الموساد داخل شمال العراق، ليس لنوازع إنسانية – كما يدعي الصهاينة – بل لاستخدام الأكراد جسراًً للعبور نحو دول الجوار، إيران وتركيا، وإضعافاً للعراق الذي كانت تنظر إليه إسرائيل دوماً على أنه الخطر المزعج . ويستند المؤلف في معلوماته إلى مقابلات مع رجال الموساد الصهيوني الذين كلفوا بالإشراف المباشر على النشاطات في كردستان، وعلى وثائق سرية، وتقارير إعلامية، وأراشيف خاصة وعامة، ومذكرات ورسائل كتبها مستشارون إسرائيليون أبان تواجدهم في كردستان .
يضم الكتاب 31 فصلاً تشمل جميعها تغطية لوقائع وأحداث ومعلومات سابقة عن الحركة الكردية (حركة مصطفى البارزاني تحديداً) وعلاقاتها مع الموساد الصهيوني . ويصف المؤلف إتفاقية الجزائر في آذار 1975 بأنها ملك الموت الذي قبض على روح العلاقة الكردية – الإسرائيلية التي دامت 12 عاماً واتسمت بالتعاون المكثف، كان خلالها الملا مصطفى البارزاني يقود التمرد ضد الحكومات العراقية مستعيناً بالمستشارين الإسرائيليين الذين لم يفارقوه، أو يفارقوا معسكره، طيلة تلك السنوات . (ص
، وكانت طواقم المستشارين العسكريين الإسرائيليين تستبدل بصورة دورية، كل ثلاثة أشهر، ويترأسها بصورة دائمة أحد عناصر الموساد، وإلى جانبه ضابط في الجيش الإسرائيلي، ومستشار فني. وكان الموساد والمستشارون الإسرائيليون يقدمون المساعدة للبارزاني لتعلم أساليب الحرب الحديثة، وغالباً ما كان الإسرائيليون يصطحبون وفداً طبياً للإسهام في معالجتهم . .
الكتاب يتطرق بأسهاب إلى المساعدات الإسرائيلية للتمرد البارزاني في العراق، نظراً لعدم وجود ثغر بحري لكردستان، ووقوع جميع المطارات الموجودة في أراضيها تحت السيطرة العراقية، لذا فإن الدخول إليها يصبح مستحيلاً، إلا إذا تم عبر تركيا أو إيران أو أرمينيا، مما جعل تقديم المساعدات الصهيونية رهناً برضا ورغبة إيران.
محاولة فاشلة لإغتيال الملا مصطفى البارزاني: الكتاب المقدس لم ينفجر
يتطرق الكاتب إلى محاولات قتل مصطفى البارزاني ومنها حادثة يوم 29 أيلول (سبتمبر) 1971 في حاج عمران، عن طريق متفجرات حملتها سيارة تقل تسعة من رجال الدين أرسلوا من بغداد الى مقر الملا مصطفى على أساس أنهم يحملون رسالة من القيادة العراقية بشأن اتفاق 11 آذار(مارس) 1970، وكان مع الملا مصطفى في ذلك الوقت اثنين من الموساد الإسرائيلي هما (تسفيز مير) و (ناحوم أدموني) . ويشرح الكتاب كيف أوكلت مهمة إلى المدعو (صادق) وهو خبير متفجرات كردي ليستخدم مغارة مخصصة كمصنع للمواد المتفجرة، لتصنيع (قنبلة) لاغتيال النائب صدام حسين ردا على محاولة الأغتيال الفاشلة.
في 13 تشرين الأول (أكتوبر)1971 أوفدت الحكومة العراقية وزير التربية المرحوم الدكتوراحمد عبد الستارالجواري وأخبر الملا مصطفى بأن النائب (صدام حسين) يعمل بلا كلل أو ملل من أجل كشف النقاب عن المخططين، وعن الجهة التي أمرت بالتنفيذ، وإن محاولة الاغتيال كانت مؤامرة دبرتها عناصر خارجة عن النظام من أجل تخريب العلاقات الطيبة الآخذة بالتطور بين العرب والأكراد، وقال البارزاني إنه سيرسل مبعوثاً إلى بغداد لكي يعرب عن مشاعر الود، وطلب من الدكتور احمد عبد الستار أن يحمل معه هدية (مصحف أثري قديم) هدية إلى السيد النائب (صدام حسين) وإن الوزير العراقي عاد من حاج عمران إلى بغداد يوم 14/10 وقابل السيد النائب، وأخبره إن الملا مصطفى يقدر هذه الالتفاتة وبعث شخصياً بهدية ثمينة (قرآن أثري قديم) . . وثارت شكوك النائب حول محتوى الهدية وأمر بفحصها من قبل خبراء المتفجرات وتبين فيما بعد إن الهدية عبارة عن (متفجرات) . ويروي المؤلف حادثة يوم 15 تموز(يوليو) 1972 حين قابل البارزاني مراسل وكالة الأنباء العراقية، والذي اعترف له أنه مرسل من أجل اغتياله .
الحرية الوحيدة هي أن نتنسم الهواء :
ركز المؤلف فصلا للحديث عن تاريخ الكرد، ثم أنتقل للحديث في عدة مواضع من الكتاب عن دور المدعو (الأمير بدير خان) في عملية التنسيق الكردي الصهيوني، ويتحدث عن لقاءه بالمقدم يهودا بن ديفيد – نائب الملحق العسكري في السفارة الإسرائيلية في باريس ومسؤول الاتصالات مع الجهات الاستخبارية المحلية والأجنبية، وكان الأساس والمنطلق في التنسيق هو التماثل بين التأريخين اليهودي والكردي وتعرض الشعبين للاضطهاد .
وكان بدير خان يتنبأ بشرق أوسط ممزق ومفتت إلى كيانات صغيرة، تحظى فيه كل مجموعة أو طائفة عرقية بحق تقرير المصير في إطار حدود معقولة، تمكنها من تجذير استقلالها الحضاري .
ويتحدث المؤلف عن كيف أن أي محاولة لبلورة دولة كردية مستقلة، كانت تلقى معارضة فورية مستميتة من لدن تركيا وإيران والعراق، كل على حدة، وجميعها مجتمعة. ولم تأت هذه المعارضة مصادفة (والكلام للمؤلف) فقد كانت هذه الدول تدرك إن إقامة كيان كردي مستقل سيلزمها بالتخلي عن مناطق واسعة من أراضيها خصوصاً أنها غنية بالكنوز الطبيعية وخاصة النفط . وهذا ما دفع الغرب إلى معارضة الاستقلال الكردي ولم يبقى من التعاطف مع الأكراد سوى قيام بعض أجهزة المخابرات الغربية بإنشاء علاقات وصلات مع جهات كردية كبديل محتمل قد يحتاجون إليه في مرحلة ما .
يذكر المؤلف إن (بدير خان) وعائلته توثقت علاقتهم باليهود الذين استوطنوا كردستان منذ قرون كثيرة، فقد تحدث النبي (يوشع) عن اليهود المفقودين في أرض آشور، كما إن اليهود الأكراد هم من بقايا الأسباط اليهودية العشرة الذين نقلهم إلى هناك ملوك آشور أسرى خلال القرن 8 ق.م، وقد برز من بينهم حاخامات ويقال إن عدد الطوائف اليهودية الكردية وصل إلى (146) طائفة، وإن هجرة اليهود الأكراد إلى فلسطين بدأت في القرن (16) وسكنوا منطقة (صفد) ومن بينهم (يهودا البارزاني) الذي هاجر إلى إسرائيل سيراً على الأقدام . وإن وزير الدفاع الإسرائيلي (إسحاق مردخاي) سنة 1996 هو من أحفاد العراقيين المهاجرين، وقد هاجر إلى إسرائيل وعمره (6) سنوات بعد أن اكتشف العراقيون هوية والده كأحد نشطاء الحركة الصهيونية .
ويتحدث المؤلف عن التقرير الذي قدمته الوكالة اليهودية مطلع 1946 عن الطائفة الآشورية (الكشدية) وهم بقايا شعوب قديمة، وكيف أنهم طالبوا بنظام آمن لنصف مليون آشوري في ظل حكومة كردية مستقلة على أرض كردستان . وإنهم يكنون الكراهية للعرب ويتعاطفون مع الأكراد .
ويصف المؤلف، الأمير بدير خان، بأنه عميل إسرائيلي ليس بالمفهوم الكلاسيكي للعملاء، وإنما كان يقوم بتكليف من إسرائيل بأعمال سياسية حساسة على افتراض أنه سينال مقابلها مساعدات إسرائيلية للنضال الكردي، وقد قام بدير خان بعدد من المهمات السياسية في عدد من العواصم العربية مثل دمشق والقاهرة وبيروت بتكليف من إسرائيل، وإن هذه المهام لا زالت طي الكتمان لسبب ما (ص22) .
انقلاب كردي في دمشق :
ابتدأ المؤلف بالحديث عن (حسني البرزاني) أو (البرازي) وهو زعيم من أصل كردي، تمكن من جمع رأس مال كبير جداً، أوصله في نهاية المطاف إلى منصب رئيس الحكومة في سوريا عام 1942 وكان ذا صلة وثيقة بـالأمير (بدير خان) وكبار رجال الدبلوماسية الإسرائيلية وكان واثقاً من أن الإسرائيليين يحفظون له أفضالاً عديدة في الماضي القريب، حيث قدم تسهيلات لهجرة يهود بولنده إلى فلسطين عن طريق دمشق .
وفي أوج حرب 1948 فكر حسني البرازي الإطاحة بالرئيس السوري القوتلي ورئيس حكومته جميل مردم، وإنه بالتنسيق مع بدير خان، طلب أن يقوم الإسرائيليون بدورهم في هذه العملية، بأن يقوم الجيش الإسرائيلي بإثارة التوتر على الحدود لجذب قوات الجيش السوري نحو الحدود بعيداً عن العاصمة دمشق، وبالتالي إتاحة الفرصة له بدخول المدينة بكتيبة دبابات والاستيلاء على السلطة بسهولة . ووعده إذا ما نجحت الفكرة، سيعمل على التوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، وترسيم الحدود الدولية وإن هناك شركاء في الانقلاب من بين الأقليات، الأكراد، الدروز، الشركس . وحين عرض بدير خان الموضوع على ساسون في وزارة الخارجية الإسرائيلية لم توافق إسرائيل على التدخل في إحداث انقلاب في سوريا . وتحدث الكاتب عن دور حسني الزعيم و محسن برازي، وكلاهما كرديان، وكانا يسعيان للتصالح مع إسرائيل، وإسقاط القوتلي، ولو أنه يعرج فيقول إن إسرائيل لم توافق على انقلاب حسني الزعيم في كانون الأول 1948(ديسمبر)، واستلام الزعيم السلطة في 30 آذار (مارس) 1949، وينقل الكاتب على لسان شمعون وبن غوريون بأنهما أقرا بأن إسرائيل قد ارتكبت خطأ بعدم استجابتها لطلب حسني الزعيم، رغم إن الزعيم أعلن صراحة رغبته التفاوض مع الصهاينة . وفي 14 آب 1949 أطاح انقلاب عسكري بالزعيم والبرازي وتم إعدامهما .
وينتقل الكاتب للحديث عن مصطفى البارزاني واتصالاته بإسرائيل حيث أن البارزاني زارها سرا في نيسان (أبريل) 1968 بترتيب من بدير خان، وتم استقباله هناك استقبالاً رسمياً فخماً وأنزل في بيت الضيافة الحكومي، وقام رئيس الموساد اللواء مائير عميت بتعريف البارزاني على يوفال نثمان رئيس شعبة الاستخبارات الأسرائيلية .
لست سوى كردي بسيط :
يتحدث الكاتب عن مصطفى البارزاني والبارزانيين ومنطقة بارزان (التي تعني أرض الهجرة) وعن الشيخ سعيد، جد البارزاني الذي كان من المناوئين للسلطة العثمانية، ثم إبنه الشيخ محمد الذي ثار ضد الإنكليز سنة 1926 وتوفي بعدها ثم تنصيب شقيقه احمد شيخاً للقبيلة، وفي عام 1943 تسلم الإبن الخامس (مصطفى) عصا القيادة، وهو كان تلقى تدريسه الإبتدائية في برزان، وواصل الدراسة في تركيا، واستكمل علومه الدينية في السليمانية، وفي عام 1931 بدأ نشاطه في التمرد الكردي .
وبدأ مصطفى البارزاني في السليمانية بلورة أهدافه السياسية، وطالب باستقلال كردي إلا أن نوري السعيد رفض المطالب الكردية، وحين بدأ البارزاني يحشد قواته، اقترحت عليه الحكومة العراقية في آب (أغسطس) 1945 أن ينتقل إلى أي منطقة عراقية خارج كردستان إلا أنه رفض العرض وفي 10 آب (إغسطس) 1945 نشبت معارك طاحنة بين الجيش العراقي والمتمردين الأكراد، وقامت القبائل المعادية لعشيرة البارزاني بتشكيل قوات مناوءة للتمرد البارزاني سميت (فرسان صلاح الدين) الذين أطلق عليهم البارزاني لقب (الجحوش). ويذكر مؤلف الكتاب أن جريدة (الثورة العربية) وهي الجريدة الناطقة باسم حزب البعث أوضحت أن (الجحوش) كانوا مرتزقة يقاتلون من أجل شيوخهم نظير مقابل نقدي، ولم يكن العراقيون قادرين دائماً على الثقة بهم، أو الاعتماد عليهم .
وفي 30 أيلول (سبتمبر) 1945 قرر البارزاني اجتياز الحدود والسكن في شمال غرب إيران إلى جوار الأكراد هناك، تحت حماية الجيش الأحمر أبان الحرب العالمية الثانية . وكان السوفييت في حينها يشجعون التطلعات القومية الكردية وساعدوا على إقامة كيان كردي بإسم جمهورية مهاباد عام 1946 في منطقة (ماهاباد) على قطاع ضيق إلى الشرق من الحدود العراقية التركية، بيد أن هذه (الجمهورية ) لم تدم سوى سنة واحدة فقد سحب السوفييت حمايتهم لها، وسارع الإيرانيون إلى السيطرة على أراضيها والإعلان عن إلغائها، وقد فرّ مصطفى البارزاني الذي قاد جيش جمهورية ماهاباد بجلده ومعه 500 من أتباعه وقضى 46 يوماً في طهران، وفشلت محاولاته للحصول على مأوى مؤقت له ولرجاله في الولايات المتحدة، وهرب البارزاني إلى روسيا بعد مسيرة 52 يومياً عبر الأراضي التركية، ووصل 18/6/1947 وعاش على أراضي الاتحاد السوفياتي وهناك دخل دورات وتدريبات عسكرية مع مقاتليه، وتعلموا اللغة الروسية، وقد تزوج معظم مؤيديه معه من نسوة تركمانيات ومسيحيات روسيات، ولتدبير معيشته اشتغل مصطفى البارزاني (قصاباً) في احدى المدن الروسية، وكانت معاملة القادة السوفيت له سيئة لغاية وفاة ستالين 1953 حيث تحسنت معاملته وخصص خروتشوف له شقة خاصة، وأرسله لاستكمال تعليمه وثقافته في معهد إعداد الكوادر التابع للحزب الشيوعي، وكان البارزاني يأتي بين فترة وأخرى إلى سوريا، وقابل جمال عبد الناصر، وحصل من خلال مؤتمر الدول الآسيوية والأفريقية عامي 55 و 1957 على تاييد حق الأكراد في مطالبهم الوطنية. وبعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، كان البارزاني في براغ، حين اصدرعبدالكريم قاسم عفواً خاصاعن مصطفى البارزاني وجماعته، ووجه الدعوة له للعودة إلى العراق، واصدر قراراً بأن العرب والأكراد شركاء في الوطن. وعاد البارزاني واستقبل استقبال الأبطال في العراق .
أدت عودة البارزاني إلى العراق إلى إشعال العديد من الأضواء الحمراء في الغرب، وخاصة بعد ورود معلومات عن أن البارزاني مستمر في إجراء لقاءات مع دبلوماسيين سوفييت في سوريا ممن يعملون في بغداد، مما زاد الشكوك الغربية، في أنه يعمل بتكليف من الاتحاد السوفياتي، وشرع الغرب في البحث عن زعيم كردي بديل . واعتقدت أميركا ومعها الغرب أن (بدير خان) قادر على القيام بهذا الدور .
عرض جهاز السافاك الإيراني (الاستخبارات الإيرانية) على بدير خان أن يسكن في إيران ويعمل داخلها، وكان يدير السافاك الجنرال تيمور بختيار وهو من أصل كردي وكانت مطالب بدير خان أن يتم تعيين موظفين أكراد رفيعي المستوى في المقاطعات الكردية وإصدار جريدة كردية وفتح مدارس كردية .